~
• *تدبرات آيات الحج* •
•
روي عن أبي الطفيل قال: قال لي ابن عباس: (أتدري ما كان أصل التلبية؟
قلت لا! قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج خفضت الجبال رؤوسها ورفعت له القرى؛ فنادى في الناس بالحج فأجابه كل شيء: لبيك اللهم لبيك).
•
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}[البقرة: ١٩٦].
ففي قوله: {لِلَّهِ}: تنصيص على أهمية الإخلاص في هاتين العبادتين.
[السعدي، رحمه الله].
•
سورة الحج..سورة عجب، وأعجب منها حاج يقصد الحج ولم يتدبر سورة الحج.
فيها: الساعة والتوحيد، والصلاة والإخبات، والمواعظ والآداب.
[عصام العويد].
•
ورد في آيات الحج من العناية بأمر القلوب ما لم يرد في أي ركن من أركان الإسلام؛ لما في أعمال الحج من مظاهر قد تصرف عن مقاصده العظيمة إلى ضدها،
تأمل: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم}[الحج: ٣٧].
فإذا رأيت الناس يتسابقون ويتزاحمون لتأدية الأعمال الظاهرة، فاسبقهم بتحقيق التقوى وتعظيم شعائر الله:
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}،[الحج/٣٢].
فتعاهد قلبك حين أداء نسكك.
[أ.د.ناصر العمر].
•
ختمت آيات الحج في البقرة بذكر الحشر: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:٢٠٣].
وبدأت سورة الحج بذكر زلزلة الساعة!
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج/١]
وهذا يدل على ما في الحج من مشاهد وأعمال تذكر بالحشر والنشور: فابتداء الحج بالإحرام يذكر بالكفن،
والموت أول خطوة نحو القيامة، فمن حشركم هذا الحشر باختياركم، فهو قادر سبحانه على أن يحشركم بغير اختياركم.
[أ.د.ناصر العمر-الشعراوي].
•
المتأمل في آيات الحج يلحظ سمة التيسير في تشريعاته وأحكامه كلها؛ لكنه تيسير منضبط لا عن هوى وتشهي، والتيسير لا يعني عدم المشقة والتعب، فقد ختم الله أحكام الحج في سورة الحج بقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج/٧٨].
وسماه النبي صلى الله عليه وسلم جهاد، وأبان الأجر فيه على قدر النصب والتعب.
[أ.د.ناصر العمر].
•
لب الحج هو الذكر، فمن وفق له فهو الموفق، واقرأ برهان ذلك:
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}[البقرة/٢٠٠].
{وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }[البقرة/٢٠٣].
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}[الحج/٢٨].
وفي الحديث: "أفصل الحج: العج والثج"، والعج: رفع الصوت بالتلبية.
[محمد الخضيري].
•
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}[الحج/٢٨].
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}
من منافع الحج العظيمة التي تشملها الآية: أن يتعلم الحجاج ما به منفعتهم في الآخرة، أما منفعة الدنيا، فالناس أساتذة ذلك، لكن منفعة الآخرة الناس اليوم بأشد الحاجة إليه، فالواجب أن يكثف الجهد في الحج لتعليم الجاهل وتبصير الغافل.
[آل الشيخ].
•
تدبر {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج/٢٨]
وقف متأملا لقوله: {لَهُمْ}
لتدرك أن كل عمل من أعمال الحج يعود عليك بنفع عظيم، خلافا لما يتصوره الكثيرون من أن الحج مجرد أعمال تعبدية لا يدركون أثرها، وهذا يفسر التسابق للبحث عن الترخص والتخلص من كثير من واجباته وأركانه، ولو أدركوا نفعه المباشر لهم لما فعلوا.
[أ.د.ناصر العمر].
•
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}[البقرة/١٩٧].
فلا رفث: أي: الجماع.
ولا فسوق: إتيان معاصي الله عز وجل في حال إحرامه بالحج، منها: قتل الصيد، قص الظفر، وأخذ الشعر، والتنابز بالألقاب، والسباب.
ولا جدال: قول ابن مسعود، وابن عباس، وعطاء: أن تماري مسلما حتى تغضبه فينتهي إلى السباب.
•
قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
•
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما بين السماء والأرض من عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله أو حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال).
•
(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
الحج المبرور: هو الذي لم يعص الله تعالى فيه أثناء أدائه.
وقال الفراء: هو الذي لم يعص الله سبحانه بعده.
وقال الحسن: الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.
[الجامع لأحكام القرآن/١/٦١١].
•
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة/١٩٩].
أمر تعالى عند الفراغ من المناسك باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسمية.
[تيسير الكريم الرحمن/٧٧].
•
في آيات الحج عالج القرآن خصائص الجاهلية وكيفية تنقية المجتمع المسلم منها بأسلوب يستثمر المناسبة ويقتنصها، ومن ذلك التكبر على الناس والتميز عنهم، والفخر بالآباء والتعصب لهم، تدبر: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ }[البقرة/١٩٩].
[أ.د.ناصر العمر].
•
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}[الحج/٢٩].
التفث: الوسخ والقذارة.
هل وقفت متأملا وأنت تقوم بتطهير جسدك، وتحلق شعرك، ثم تطيب بدنك؟
بأن تلتفت التفاتة جادة لقلبك فتطهره مما لحقه وران عليه، لتحقق الهدف الأسمى للحج، فتعود كما ولدتك أمك؟
[أ.د.ناصر العمر].
•
{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة/٢٠٣].
فلا إثم عليه: نفي عام وتبرئه مطلقة.
قال أبو العالية: لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره، والحاج مغفور له ألبته، أي ذهب إثمه كله إن اتقى الله فيما بقي من عمره.
قال أبو صالح وغيره: لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا.
قال ابن مسعود: إنما جعلت المغفرة لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي.
[الجامع لأحكام القرآن/٢/١١].
•
بعد أن ذكر الله المناسك في سورة الحج قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } [الحج/٣٠].
ففيه إشارة إلى أن الحج ليس أقوالا وأعمالا جوفاء، وأن الخير الكثير إنما هو لمن تنسك؛ معظما لحرمات الله، متقيا معصيته، ولعل في افتتاح السورة بالأمر بالتقوى، واختتامها بالجهاد في الله حق المجاهدة تأكيدا على ذلك.
[عبد الله الغفيلي].
•
المتأمل لآيات الحج يلحظ تكرر ورود التكبير، وذكر الله، والتركيز فيها على التقوى وعمل القلب؛ لأن أغلب مناسك الحج ارتبطت بمظاهر وجمادات محسوسة، فلئلا يتعلق القلب بشيء منها، أو يعتقد فيها ضرا أو نفعا، وينصرف عن المقصد الأعظم من الحج؛ وهو تحقيق الإيمان والتقوى؛ تدبر: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ...}[الحج: ٣٧].
[أ.د.ناصر العمر].
•
{فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ...}[البقرة:١٩٧].
فليحفظ الحاج جوارحه، ومما يعينه على ذلك: أن يستشعر أنه ضيف على الله جل جلاله، والضيف يرعى حرمة مضيفه، وأن يتقي الله، ومن تقواه له سبحانه: أن يحفظ جوارحه وأركانه، فلا يرسل عينه بالنظرات إلى عورات المؤمنين والمؤمنات.
[محمد المختار الشنقيطي].
•
مجمل عبادات الحج من طواف وسعي ورمي ظاهرة، لكن ثمة مجال لأسرار العبد مع ربه؛ من نوافل وأذكار وتلاوة، وتعليم جاهل، وتأمين خائف، وإغاثة محتاج، وهذا كله تحت قوله: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ...} وهو تعبير يفيد العموم الذي لا حصر له، وهو مجال للركض في الطاعات، والتسابق في الخيرات.
[د.محمد السيد].
•
تأمل كيف يربط الله تعالى الحاج بذكره سبحانه بعد كل منسك:
{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ ...}[البقرة:١٩٨].
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ ...}[البقرة:١٩٩].
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ ...}[البقرة:٢٠٠].
ثم قال: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ...}[البقرة: ٢٠٣].
ثم انظر لحالنا، كم نغفل عن الذكر في الحج؟!
[د.عبد المحسن المطيري].
•
تأمل قوله تعالى بعد أن ذكر أهم أعمال الحج: {وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}؛ وذلك أن الحاج يغشاه فرح وسرور بعد أداء تلك المناسك، وقد يصاحب ذلك إعجاب بعمله، إذ أنجز تلك الأعمال في فترة وجيزة، مع مشقة ظاهرة، فجاء الأمر بالاستغفار؛ ليستصحب التقصير الذي لا ينفك منه عمل وقربة، فيتلاشى الإعجاب والزهو، ولا يعارض ذلك الفرح والسرور {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ ...}[يونس:٥٨].
[أ.د.ناصر العمر].
•
رغم اختلاف سياق الآيات في سورة البقرة عن سورة الحج إلا أن الذي لم يختلف أبدا هو إبراز الأصلين الكبيرين -اللذين هما من أعظم مقاصد نسك الحج-:
١-تحقيق التقوى.
٢-كثرة ذكر الله جل وعلا.
فحري بالحاج أن يجعل هذين الأصلين نصب عينينه، وليفتش عن أثرهما في قلبه.
[د.محمد الربيعة].
•
"لما نهى الله عباده عن إتيان القبيح قولا وفعلا: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ...} حثهم على فعل الجميل، وأخبرهم أنه عالم به، وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة فقال: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}.
[ابن كثير رحمه الله].
•
{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}
أمر الحجاج بأن يتزودوا لسفرهم ولا يسافروا بغير زاد، ثم نبههم على زاد الآخرة وهو التقوى فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه فكذلك المسافر إلى الله تعالى، والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادين، فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن.
[ابن القيم رحمه الله].
•
{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}
"وفي هذا دليل على أن الأعمال المخير فيها إنما ينتفي الإثم عنها إذا فعلها الإنسان على سبيل التقوى لله -عز وجل- دون التهاون بأوامره؛ لقوله تعالى: {لِمَنِ اتَّقَى} وأما من فعلها على سبيل التهاون، وعدم المبالات فإن الإثم بترك التقوى، وتهاونه بأوامر الله".
[ابن عثيمين, رحمه الله].
•
"بعد أن أباح الله التعجل لمن اتقاه قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله؛ فلهذا حث تعالى على العلم بذلك".
•
لما كان الحج حشرا في الدنيا، والانصراف منه يشبه انصراف أهل الموقف بعد الحشر عن ادنيا -فريقا إلى الجنة وفريقا إلى السعير-؛ ذكرهم بذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فاعلموا لما يكون سببا في انصرافكم منه إلى دار كرامته لا إلى دار إهانته.
[البقاعي].
•
{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ...}
ليست العبرة بطول الزمن الذي يبقاه الحاج في منى فقط، بل العبرة باستحضار نية التعبد؛ لذلك قال سبحانه: {لِمَنِ اتَّقَى}، فإياك أن تقارن الأفعال بزمنها؛ فإنما هي بإخلاص النية، والتقوى فيه.
[الشعراوي].
•
[مقتبسة من مجموعة ليدبروا آياته].